آخر الأخبار

“الإرهاب الأبيض”.. كيف يخوض العراق معركته ضد المخدرات؟

بغداد – إيجاز

في الوقت الذي خمدت فيه أصوات المدافع وتحولت الحروب من الميدان إلى العقول، يخوض العراق حرباً من نوع آخر لا تقل شراسة عن أي مواجهة عسكرية. إنها حرب ضد عدوّ متخفٍ يفتك بالمجتمع من الداخل: المخدرات.
من الأزقة الضيقة إلى المنافذ الحدودية، ومن الحقائب المموهة إلى الشحنات العابرة، تدور معركة “السموم البيضاء” التي تهدد شباب البلاد ومستقبلها، في واحدة من أكثر المواجهات تعقيداً وتشابكاً بين الأمن والمجتمع والاقتصاد.

ورغم تعدد الجبهات وتشابك خيوط التهريب الإقليمية والدولية، فإن العراق حقق تقدماً ملحوظاً في حربه ضد المخدرات، إذ أعلنت وزارة الداخلية مؤخراً أن البلاد احتلت المرتبة الثالثة عالمياً في حجم الجهود المبذولة لمكافحة هذه الآفة، وفق أحد التصنيفات الدولية.

وقال مدير العلاقات والإعلام في مديرية مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، العميد زياد خلف، إن “الجهود الحكومية، بدءاً من رئيس الوزراء ومروراً بوزير الداخلية، أفضت إلى إنجازات نوعية منذ تسلّم الحكومة الحالية مهامها، تمثلت بزيادة حجم الضبطيات، وتشديد العقوبات القضائية بحق كبار تجار المخدرات الذين كانوا يديرون شبكات تهريب داخل وخارج البلاد”.

وأوضح خلف في تصريح تابعه موقع “إيجاز” أن المديرية “تمكنت من ضبط أكثر من 13 طناً من المواد المخدرة خلال عامي 2023 و2025 فقط، مقارنةً بثلاثة أطنان تم ضبطها خلال السنوات الأربع السابقة”.
وأضاف أن “العراق صُنّف في مؤتمر دولي شاركت فيه أكثر من 138 دولة بالمرتبة الثالثة عالمياً في جهود المكافحة، ووصفه معهد (نيو لاينز) بأنه زعيم إقليمي في مواجهة تجارة السموم”.

وأشار إلى أن “جرائم المخدرات تُعدّ من الجرائم العابرة للحدود، ما يستوجب تعاوناً دولياً واسعاً، وقد عززت المديرية تعاونها مع دول عدة لتبادل المعلومات وتنفيذ عمليات مشتركة ضد الشبكات الإجرامية”.

من معبرٍ إلى مستهلكٍ فمنتِج

لم يكن العراق في الماضي من الدول التي تعاني من تفشي المخدرات، لكنه خلال العقدين الأخيرين تحوّل تدريجياً من بلد عبور إلى بلد استهلاكٍ وإنتاجٍ محدود، مع تسجيل أرقام متزايدة عن حجم التعاطي والتجارة. هذا التحوّل الخطير دفع الحكومة إلى دق ناقوس الخطر، بعدما أصبحت المخدرات “العدو الأول” للمجتمع العراقي.

ويُعاقب قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 بأشد العقوبات، إذ تنص المادة (27) على الإعدام أو السجن المؤبد لكل من استورد أو صنع أو زرع أو تاجر بالمواد المخدرة.
أما المادة (28)، فتفرض السجن المؤبد أو المؤقت وغرامات تصل إلى 30 مليون دينار على من حاز أو باع مواد مخدرة بقصد الاتجار، بينما تشمل العقوبات الأقل من تعامل مع مواد مدرجة في جداول خطورة أدنى.

طرق التهريب تتبدل

في المقابل، تتطور شبكات التهريب وأساليبها باستمرار. فقد كشف تقرير لصحيفة “العالم الجديد” أن مسار التهريب تغيّر بعد تراجع النشاط في الحدود السورية، لينتقل إلى الحدود العراقية – السعودية عبر منفذ عرعر.
ووفقاً لمصادر مطلعة، فإن شبكات التهريب بدأت تستخدم رحلات الحج والعمرة لنقل المخدرات، إلى جانب مواد أخرى مربحة كالتبغ والمعسّل والسجائر الإلكترونية ومستحضرات التجميل، التي تُهرّب بسبب الفارق الكبير في الأسعار بين السوقين العراقي والسعودي.

وفي منتصف أيلول/سبتمبر الماضي، أعلنت السلطات السعودية ضبط مواد مخدرة داخل حقائب اثنين من المعتمرين العراقيين، ما أدى إلى توقيفهما وتعليق حركة العبور في منفذ عرعر لساعات طويلة.
وأشارت التحقيقات إلى أن الموقوفين من محافظة صلاح الدين ويديران شركة حج وعمرة، وقد امتهنا التهريب منذ ست سنوات عبر تأشيرات الحج والعمرة، وتقدر قيمة الشحنة الأخيرة بأكثر من 1.27 مليون دولار.

أنواع المواد المنتشرة

وتُعد مادة الكريستال ميث القادمة من إيران، والكبتاغون المهرب من سوريا، أكثر المواد انتشاراً في العراق، إلى جانب الحشيش والهيروين، بحسب تقارير مفوضية حقوق الإنسان، التي أكدت أن هذه المواد تنتشر بشكل متسارع في المدن الجنوبية والوسطى، مهددةً النسيج الاجتماعي والأمن الداخلي.

حرب مستمرة

ورغم ما تحقق من إنجازات أمنية وقانونية، لا تزال الحرب ضد المخدرات في العراق مفتوحة على كل الاحتمالات. فشبكات التهريب تتجدد، وأساليبها تتطور، والطلب الداخلي في تزايد، فيما تبقى فئة الشباب الخاسر الأكبر في هذه المواجهة التي لا تُدار في الميدان، بل في الأزقة والبيوت والمقاهي والمدارس.
إنها حربٌ طويلة الأمد، لا يُحسم فيها النصر بالسلاح، بل بالوعي والردع والتعاون الإقليمي، حتى لا يتحول العراق من “بوابة للمواجهة” إلى “مستنقع دائم للسموم البيضاء”.

شارك المقال عبر

تغطية مستمرة

المزيد