أحمد العبادي
تطرح النخب السياسية والاعلامية مفهوم (( الحاكمية الشيعية )) للتعبير عن الواقع السياسي العراقي الذي يشكل غالبيته الاسلام السياسي الشيعي , بعد انخراط احزابه الاسلامية لتشكيل الخارطة السياسية , عقب اسقاط الدولة العراقية بعد 2003 , وبالتالي فهو ليس نظرية او طروحة فكرية على اساس معرفي . انما هو مفهوم متداول للتعبير عن حالة سياسية معينة .
شاركت الفصائل الشيعية ومنها التيار الصدري- الذي التحق متأخرا – وهي ينقصها الانسجام خاصة التيار بسبب اختلاف الرؤى وطبيعة المتبنيات ازاء المشهد العراقي المعقد .
هذا التناقض ادى الى جملة انسحابات كان اولها 2007 في حكومة المالكي بسبب رفض التيار الصدري وجود القوات الامريكية والصدام مع الحكومة العراقية .
ثم انسحاب عام 2014م من التحالف الوطني لرفضه عودة السيد المالكي , حتى وصلنا الى حالة ” القطيعه ” التامة مع المشهد السياسي بعد انتخابات 2021م التي حصد فيها التيار الصدري ( 73 مقعدا ) لرفض الاطار التنسيقي حكومة الاغلبية التي اراد تشكيلها السيد مقتدى الصدر , والتيار ما زال خارج اللعبة حتى الان .
ويبدوا ان الساحة الاكثر خوفا من المقاطعة في هذه الانتخابات هي الساحة الشيعية , للاحتمالات المؤكدة بعدم مشاركة التيار الصدري في الانتخابات .
لذا تحرص الاصوات والنخب المقربة من الاطار على ضرورة مشاركة التيار في الانتخابات , اصوات على ما يبدوا ليس حبا بمعاوية بل بغضا بعلي وللاسف , حيث من الوجوب ترجمة هذا الحرص في تنفيذ الاطار ما الزم نفسه به تجاه التيار في بنود الاتفاق السياسي وعلى رأسها الانتخابات المبكرة .
ان مفهوم المقاطعة ( شيعيا ) للسلطة الظالمة اوالجائرة ليس فكرة او اجتهادا نابعا من ظروف المرحلة , بل هي قضية ضاربة في عمق التراث الاسلامي الشيعي ابتداءا من السقيفة كما تروي المرويات الشيعية . وامتدت في حقب مختلفة من التاريخ الاسلامي .
وبعودة قريبة الى الوراء منذ ان تسلم نظام صدام حسين الحكم عام 1979 دخلت العلاقة ما بين المرجعية الدينية في النجف ونظام البعث في حالة من التوتر والعداء المستمر , الامر الذي ادخل المرجعية الدينية ايضا في حالة “قطيعة ” وامتنعت عن المشاركة في مؤسساته ومن تأييده سياسيا .
كمقاطعة السيد الخوئي , والسيد محمد باقر الصدر , وصولا الى المرجع الاعلى السيد علي السيستاتي الذي كان يرفض شرعية النظام كونه قائم على القهر والاستبداد والفساد ما يعني ” مقاطعة النظام ” سياسيا وفكريا .
ومن هنا فموقف السيد الصدر ليس غريبا انما هو متأتي من وحي التراث الاسلامي الشيعي , الذي يقاطع الفاسدين والجائرين حسب وصفه , وهي تمثل شكلا من اشكال الاحتجاج السياسي والمعارضة الناعمة للسلطة .
وبالتالي ليس من الصحيح ان تشن كل حملات التشويه والتسقيط تجاه هذا الموقف السياسي الاحتجاجي , تجاه حقا وليس واجبا حسب المادة ( 20 ) من الدستور العراقي التي نصت على (( للمواطنيين رجالا ونساءا حق المشاركة في الشؤون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح ) )
ما يعني ان المشاركة هي حقا وليس واجبا ويبقى عدم المشاركة رأيا معتبرا.. خاصة في عملية انتخابية غير مضمونة النتائج في التغيير بسبب التفسير الاعوج لمفهوم ” الكتلة الاكبر “
ان هذه المقاطعة ستعيد تعريف ” الشرعية ” و ” المشروعية ” للسلطة وستضعها امام اختبار صعب .
فالشرعية القانونية قد تتحقق في ظل دستور يعترف بانتخابات ايا كانت نسبة المشاركة فيها , لكن “المشروعية “الاجتماعية والسياسية تتلاشى وتتآكل شيئا فشيئا مع انسحاب اكبر كتلة فائزة شيعيا , مع جمهور واسع من المدنيين وحركات سياسية اخرى , قررت المقاطعة او المشاركة كأئتلاف النصر الذي يترأسه رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي .
ان غياب السيد مقتدى الصدر يعد المحنة الاكبر التي تمر بها العملية السياسية عموما والاطار التنسيقي خصوصا , لانها ستكشف الحجوم الحقيقية وستضع الاستحقاق الشيعي على المحك , في ظل مشاركة سنية وكردية واسعة , وستبقي خيار تشكيل حكومة الاغلبية قائما , قد يضع الاطار او جزءا منه في المعارضة , وهذا امر محتمل خاصة بعد ادراج الولايات المتحدة الامريكية ( 4 فصائل عراقية مسلحة ) ذات اجنحة سياسية على لائحة الارهاب الذي من شأنه ان يعمق الانقسام الشيعي في طريقة التعاطي مع الولايات المتحدة الامريكية .
ان ادراج ( 4 فصائل شيعية مسلحة ) على لائحة الارهاب من شأنه ان يقلل من هيبة وثقة “خطاب الدولة” الشيعي الذي تبنته بعد 2003 للمحافظة على ” الحاكمية الشيعية “من خلال الدولة الرسمية وليس من خلال السلاح الموازي , وهي خطوة من شأنها اعادة تعريف العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الامريكية لتطرح السؤال الاهم :
كيف سيكون شكل العلاقة الامريكية العراقية في ظل انتخابات ستنتج اطراف حكومية مدرجة على لائحة الارهاب ؟؟؟
اسابيع ونصل المحك الاكثر حساسية في مسيرة العلاقة بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية..