آخر الأخبار

الهجرة من كردستان.. نزيف الشباب بين الفقر والانسداد السياسي

بغداد – إيجاز

تتصاعد موجات الهجرة من إقليم كردستان العراق بوتيرة غير مسبوقة، في ظل انسداد سياسي واقتصادي مزمن، وتدهور معيشي يدفع آلاف الشباب إلى مغادرة الإقليم الغني بالنفط بحثاً عن فرص عمل أو حياة أكثر استقراراً، حتى لو كان الثمن ركوب “قوارب الموت”.

وأعلنت السفارة العراقية في طرابلس، قبل أيام وفاة المهاجر الكردي هوكر آسو خضر داخل مركز احتجاز ليبي إثر سكتة قلبية، في حادثة أعادت تسليط الضوء على تنامي الظاهرة وتفاقم معاناة المهاجرين الكرد عبر المسارات الخطيرة الممتدة من ليبيا وتركيا حتى السواحل الأوروبية.

أرقام صادمة

وفق جمعية “اللاجئين العائدين من أوروبا”، هاجر نحو 148 ألف مواطن كردي منذ عام 2014، معظمهم من الفئة العمرية بين 18 و25 عاماً، فيما فقد 414 شخصاً حياتهم في البحر أو على الطرق البرية، بينما اختفى آخرون دون أثر.

وتشير مؤسسة “لوتكه” المعنية بشؤون المهاجرين إلى أن 345 كردياً لقوا حتفهم بين 2015 و2024، وفُقد 248 آخرون في رحلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

ويقول رئيس الجمعية بكر باباني إن “المهاجرين الكرد يتوزعون أساساً بين بريطانيا وألمانيا”، لافتاً إلى أن تكلفة تهريب الشخص الواحد تصل إلى 17 ألف دولار عبر ليبيا، وقرابة 12 ألف دولار عبر تركيا.

وفي تموز/يوليو الماضي، كشفت “منظمة شباب رابرين” عن هجرة 70 شاباً من مدينة قلعة دزة في ليلة واحدة باتجاه أوروبا عبر ليبيا، محذّرة من أن الإقليم “يفقد شبابه يومياً وسط صمت رسمي”، فيما يبلغ معدل المغادرين 300 إلى 400 شاب أسبوعياً”.

انهيار اقتصادي وغياب العدالة

ويعاني إقليم كردستان من أزمة مالية خانقة منذ عام 2013، تفاقمت مع تأخر صرف رواتب نحو مليون و250 ألف موظف ومتقاعد، واعتماد الاقتصاد المحلي على الإنفاق الحكومي دون بدائل إنتاجية حقيقية.

وتؤكد أستاذة الاقتصاد في جامعة دهوك، سعاد عبد القادر، أن “الشباب الجامعيين ينتظرون سنوات للحصول على عمل، ومن يجد فرصة يتقاضى أجراً زهيداً لا يلبّي احتياجاته”.

وتضيف أن “نسب البطالة أعلى في المناطق الريفية مثل رابرين وكرميان بسبب غياب المشاريع الإنتاجية والخدمية”.

كما يُشير النائب الكردي عمر كولبي إلى وجود أكثر من 750 ألف عاطل عن العمل في الإقليم، بينهم 400 ألف شاب وخريج جامعي، محملاً الحزبين الحاكمين مسؤولية “استنزاف الموارد العامة وتدمير الاقتصاد عبر احتكارات الشركات التابعة لهما”.

انسداد سياسي وفقدان الثقة

إلى جانب الأزمة الاقتصادية، يعيش الإقليم شللاً سياسياً منذ أكثر من ثلاث سنوات، بسبب تعطّل البرلمان الكردستاني وعدم تشكيل حكومة موحدة بعد انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2024.

وتسيطر الأحزاب الكبرى على مناطق نفوذها بمعزل عن سلطة موحدة، فيما تبقى قوات البيشمركة والأجهزة الأمنية منقسمة تنظيمياً.

ويرى مراقبون أن هذا الجمود السياسي يُعمّق شعور الإحباط لدى الشباب الذين يرون أن “لا مستقبل لهم في ظل غياب العدالة وتفشي الفساد”.

ويقول الباحث حكيم عبد الكريم إن “مأساة الإقليم تكمن في هيكل السلطة الحزبي الذي حوّل الاقتصاد إلى ريعٍ خاص للأحزاب”، مؤكداً أن “الحياة لن تستقر في كردستان ما لم يُجرَ إصلاح جذري يعيد العدالة والحرية إلى صدارة الحكم”.

لوم على السلطات وغياب الردع

في المقابل، تُحمّل منظمات محلية حكومة الإقليم مسؤولية تفاقم الظاهرة بسبب غياب الخطط التنموية والتوظيف العادل.

وتقول هيئة حقوق الإنسان في إقليم كردستان إن “فقدان الأمان الاقتصادي، وانعدام الاستقرارين السياسي والأمني، وتفضيل الشركات العمال الأجانب على المحليين، عوامل رئيسية وراء ارتفاع معدلات الهجرة”.

لكن عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبين سلام يرى أن “العقوبات المالية من بغداد والحصار الاقتصادي المفروض على الإقليم” أسهما في تفاقم الأزمة، مشيراً إلى أن “أربيل قدّمت تنازلات كثيرة لضمان صرف الرواتب، لكن إرادات سياسية في بغداد عطّلت الاتفاقات”.

نزيف متواصل

ورغم التحذيرات المتكررة من السفارات العراقية والمنظمات الدولية بشأن خطورة “طرق الموت”، فإن مئات المهاجرين يواصلون الرحيل أسبوعياً، مدفوعين بانسداد الأفق في الداخل.

ويرى ناشطون أن حكومة الإقليم فقدت قدرتها على إقناع الشباب بالبقاء، بعدما تحوّل الحلم الكردي بالدولة المزدهرة إلى واقع من الانقسام والفقر.

وفي ظل غياب الإصلاحات الجدية، تبقى مأساة المهاجر الكردي “هوكر آسو خضر” في ليبيا، رمزاً لجيل ضائع وجد في البحر طريقاً وحيداً للخلاص من وطن أنهكته الصراعات والأزمات.

شارك المقال عبر

تغطية مستمرة

المزيد