بغداد – “إيجاز”
سلّط تقرير لمركز البيان للدراسات والتخطيط الضوء على ظاهرة الأموال المكتنزة في العراق، وكيف يمكن لسوق العراق للأوراق المالية أن يتحول إلى أداة فاعلة لاستقطاب هذه السيولة الضخمة التي تبقى خارج النظام المصرفي، ما يعيق دورة الاستثمار والتنمية.
وأوضح التقرير الذي تابعه موقع “إيجاز” أن تقديرات الأموال المكتنزة تصل إلى نحو 20 تريليون دينار عراقي، أي ما يقارب 90% من حجم السيولة في البلاد، وهي أموال تبقى في المنازل أو لدى التجار أو تتحول إلى ذهب ومجوهرات وعقارات غير منتجة، فضلاً عن الودائع لدى جهات غير مصرفية. هذا الواقع، بحسب التقرير، يعطل أثر السياسات النقدية ويضعف قدرة الدولة على تمويل مشاريع الإعمار والتنمية.
وأشار التقرير إلى أن العراقيين ما زالوا ينظرون إلى المؤسسات المالية بقلق وعدم ثقة، نتيجة تجارب تاريخية متراكمة من تجميد للأصول، أو فقدان لقيمة المدخرات بسبب التضخم والأزمات السياسية والاقتصادية. ومع غياب بنية تحتية مصرفية حديثة وآمنة، تزداد نزعة الأفراد إلى الاكتناز بدلاً من الاستثمار، وهو ما يتسبب في ضياع فرص تمويل مئات المشاريع.
وبيّن التقرير أن سوق العراق للأوراق المالية يمكن أن يلعب دوراً مباشراً في معالجة هذه الإشكالية، إذا ما جرى تطوير أدواته وسياساته، بحيث يمنح الأفراد بدائل آمنة ومربحة عن الاكتناز. ولفت إلى أن نسبة العراقيين الذين يملكون حساب تداول في السوق لا تتجاوز 0.3% من السكان البالغين، في وقت يمتلك فيه السوق 102 شركة مدرجة بقطاعات مختلفة، لكن حجم التداول السنوي لا يتعدى 1.5 تريليون دينار، وهو أقل من 3% من حجم الأموال المكتنزة.
وفي قراءة مقارنة مع دول المنطقة، أوضح التقرير أن العراق يسجل أعلى نسبة سيولة مكتنزة، حيث تصل إلى 72% من عرض النقود، مقابل 20% في الأردن، و14% في السعودية، و17% في مصر. هذا الفارق يعكس عمق الأزمة ويبرز الحاجة إلى استراتيجيات جريئة لجذب السيولة إلى السوق.
وتناول التقرير تجارب دولية يمكن أن يستفيد منها العراق، مثل تركيا التي أصدرت سندات ادخارية مرتبطة بالتضخم مع تخفيض الضرائب لجذب المستثمرين، أو مصر التي طرحت شركات حكومية رابحة في البورصة بأسعار جذابة مع حملات توعية إعلامية، وكذلك ماليزيا وسنغافورة والهند التي قدمت برامج ادخار واستثمار جماعي وربطت منصات التداول بالحسابات المصرفية بشكل مباشر، ما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد المستثمرين الأفراد.
وبحسب التقرير، فإن اعتماد سياسات مشابهة في العراق يمكن أن يسهم في تقليص حجم الأموال المكتنزة بنسبة 20% خلال خمس سنوات، إذا ما توفرت الحوافز المناسبة. ومن بين هذه السياسات: إعفاء الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التداول من الضرائب لفترة محددة، منح خصومات ضريبية للشركات المدرجة، إدخال أدوات دين مثل السندات والصكوك الإسلامية، إلزام الشركات بالإفصاح المالي الدوري، وتشديد الرقابة على التداولات غير المشروعة.
كما أوصى بإطلاق برنامج وطني للتثقيف المالي بالتعاون مع وزارتي التربية والتعليم العالي، وتنظيم ورش عمل للمستثمرين الجدد، فضلاً عن تطوير منصات تداول إلكترونية مرتبطة بالمصارف والمحافظ الرقمية، بما يسهل عملية الدخول والخروج من السوق. كذلك اقترح إنشاء صندوق ضمان لحماية استثمارات الأفراد في حالة إفلاس الشركات أو توقفها عن التداول، ما يعزز الثقة ويشجع المواطنين على الاستثمار.
وحدد التقرير خارطة طريق من ثلاث مراحل: تبدأ بإجراءات سريعة خلال السنة الأولى تتضمن حوافز ضريبية مؤقتة وطرح شركات حكومية للبورصة بأسعار اكتتاب مفضلة للأفراد، ثم مرحلة توسع تستغرق حتى ثلاث سنوات وتشمل تنويع المنتجات المالية وتطوير البنية التحتية للسوق، وصولاً إلى مرحلة ثالثة تمتد حتى سبع سنوات وتهدف إلى تعميق السوق وربطه بشكل أوثق بالنظام المصرفي، مع توفير أدوات مالية متنوعة كالسندات والصكوك وصناديق الاستثمار.
وفي الخاتمة، شدد التقرير على أن الأموال تفقد قيمتها بمرور الوقت نتيجة التضخم، وأن الاستثمار في سوق الأوراق المالية يوفر وسيلة لحماية القيمة وزيادة السيولة داخل الاقتصاد، بما يتيح تمويلاً مستداماً للمشاريع ويقلل من هيمنة الاقتصاد النقدي. وأكد أن نجاح هذه الخطط يتوقف على شعور المواطن بأن الاستثمار في السوق آمن ومربح وسهل، وهو ما سيجعل الاكتناز في المنازل أقل جاذبية ويحوّل جزءاً كبيراً من السيولة الجامدة إلى أدوات مالية منتجة تخدم الاقتصاد الوطني.