
بغداد – إيجاز
أعربت منظمة هيومن رايتس ووتش عن قلقها بشأن التعديلات الأخيرة على قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمذهب الشيعي في العراق، معتبرة أنها قد تؤثر على حقوق النساء وتضعهن في مرتبة قانونية أدنى مقارنة بالرجال.
وبحسب تقرير “هيومن رايتس ووتش” فإن مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية الجديدة في العراق، التي أقرها البرلمان في 27 أغسطس/آب، تُميّز ضد النساء لصالح الرجال في مسائل الزواج، والطلاق، والميراث، وحضانة الأطفال ورعايتهم.
وقالت سارة صنبر، باحثة العراق في هيومن رايتس ووتش: “مدونة الأحوال الشخصية الجديدة تُرسخ التمييز ضد النساء، وتحطّ من شأنهن قانونياً ليصبحن مواطنات من الدرجة الثانية، كما تسلب النساء والفتيات حقهن في تقرير مصيرهن وتمنحه للرجال. ينبغي إلغاء هذه المدونة فورا”.
وأوضحت، أن في المدونة أحكاماً عدة تقوّض حقوق النساء مثلا، تنص المدونة على ما يلي:
-السماح للزوج بتحويل عقد زواجه ليخضع لأحكام المدونة بدلاً من قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 دون موافقة زوجته أو علمها.
-السماح للزوج بتطليق زوجته دون إخطارها أو الحصول على موافقتها.
-نقل مسؤولية حضانة الأطفال تلقائياً إلى الأب بعد سن 7 سنوات، بغض النظر عن مصلحة الطفل الفضلى.
-السماح للزوجة بأن تنص في عقد الزواج على عدم جواز تعدد الزوجات أو الطلاق دون موافقتها، لكن إذا خالف الزوج هذه الالتزامات، يظل الزواج/الطلاق سارياً وإن كان آثماً شرعاً”.
قال قاضٍ في بغداد لـ هيومن رايتس ووتش إن المدونة تتعارض مع العديد من الأحكام القانونية في النظام القضائي العراقي، مضيفاً: “سُنَّت معظم القوانين في إطار مفهوم المواطنة، في حين أن المدونة لا تعترف بذلك”.
ووجدت المنظمة الدولية أن “المدونة تمنح حقوقاً للعراقيين على أساس دينهم، وليس مواطنتهم، في انتهاك للمادة 14 من الدستور، التي تضمن الحق في المساواة أمام القانون”.
وبين القاضي، أنه “بموجب قانون الأحوال الشخصية، ترث الزوجة عقارات وممتلكات زوجها في المقابل، تحرم المدونة الزوجات من الميراث. وفقا لأحكامها، لا ترث الزوجة [الشيعية] الجعفرية، في حين ترث الزوجة [السنية] الحنفية وهذا يخلق عدم مساواة أمام القانون”.
ونقلت المنظمة عن القاضي في تقريرها أنه قال “المدونة تنتهك أيضاً المادة 88 من الدستور، التي تضمن استقلال القضاء، “بجعل القضاء تابعاً للإمام [المرجعية الدينية الشيعية]”.
وأشار القاضي نفسه، إلى أن “المدونة تتكون من 337 مادة، معظمها مُكرّس للتمييز ضد النساء والفتيات، ما يضعهن في مرتبة أدنى. المدونة أبوية بوضوح ومنحازة إلى الهيمنة الذكورية، وهو ما يفسر لماذا يُفضلها بعض الأزواج على قانون الأحوال الشخصية”.
من جهتها، قالت المؤسِسة المشاركة لـ “تحالف أمان النسوي” نادية محمود لـ هيومن رايتس ووتش: “كمنظمات نسائية، نحن نعارض المدونة برمتها ونطالب البرلمان بإلغائها. تعكس هذه المدونة آراء الأحزاب الإسلامية حول حقوق المرأة ومكانتها في الأسرة والمجتمع. توضح المدونة أنهم لا يعتبرون المرأة مساوية للرجل، بل تابعة له، ومسؤولة عن تلبية جميع رغباته”.
ورأت صنبر، أن “المشاكل التي خلقتها مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية ليست قضاياً نسائية فحسب، بل قضايا عراقية ما لم تُلغَ المدونة، ستولّد مشاكل اجتماعية تدوم لسنوات وأجيال قادمة”.
واستعانت المنظمة بحالة “غزل ح” لتوضح ما يتعرض له النساء من اضطهاد بسبب تطبيق المدونة الجديدة.
في 11 سبتمبر/أيلول 2025، بعد 10 سنوات على طلاقها، تلقت غزال ح. استدعاء من المحكمة يُبلغها بأن زوجها السابق قد رفع دعوى قضائية لتطبيق مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية بأثر رجعي على عقد زواجهما وإنهاء وصايتها على ابنهما البالغ من العمر 10 سنوات. قالت إنه فعل ذلك دون علمها أو موافقتها.
قالت غزل ح. لـ هيومن رايتس ووتش: “من غير المقبول أن يتزوج شخص بموجب قانون يحمي حقوق النساء والأطفال، ثم، بعد أكثر من عشر سنوات، يتلاعب بالقانون لسلب تلك الحقوق”.
ذكرت غزل إن زوجها أصبح عنيفاً بعد زواجهما بفترة وجيزة، ونتيجة ضربها، أجهضت حملها الأول في 2015، بعد ولادة طفلهما الأول بفترة وجيزة، اكتشفت غزل أنه يخونها، وازدادت حدة العنف.
وأردفت غزل: “بدأ يهددني بالطلاق ما لم أخفض المؤخَّر من 100 مليون دينار عراقي (76 ألف دولار أمريكي) إلى 10 ملايين دينار عراقي (7,600 دولار). في البداية، رفضت، لكنني وافقت في النهاية على تخفيضه إلى 50 مليون دينار عراقي (38,100 دولار) لأنني أردت الحفاظ على عائلتي وحماية طفلي الوليد”.
وأضافت غزل لـ هيومن رايتس ووتش: “في 16 أغسطس/آب 2015، بعد خلاف حول علاقته الغرامية، اعتدى [زوجي السابق] عليّ بوحشية، وضربني بكعب مسدسه على رأسي وكل جسدي. أصبت بكدمات وجروح خطيرة، بما فيها كسر في الضلع، وكسر في الجمجمة أثّر على عصب أذني، وجروح متعددة”.
بعد هذا الحادث، قدمت غزال شكوى عنف أسري ضد زوجها. أحيلت القضية إلى محكمة الجنح، التي أدانته بالاعتداء العمد وحكمت عليه بالسَّجن أربعة أشهر.
بينما يحظر الدستور العراقي صراحة “كل أشكال العنف والتعسف”، فإن إقليم كردستان العراق هو الوحيد الذي لديه قانون بشأن العنف الأسري. كما أن مشروع قانون مناهضة العنف الأسري عالق في البرلمان الاتحادي منذ 2019. بدلا من ذلك، تمنح المادة 41(1) من قانون العقوبات العراقي الزوج السلطة القانونية لـ “تأديب” زوجته، والوالدين لتأديب أطفالهم “في حدود ما هو مقرر شرعا أو قانونا أو عرفا”. ينص قانون العقوبات على تخفيف العقوبات على الأفعال العنيفة، بما في ذلك القتل، “لبواعث شريفة” أو ضبط الزوجة أو قريبة من الجنس الآخر في حالة الزنا أو ممارسة الجنس خارج الزواج.
في ديسمبر/كانون الأول 2015، منحت محكمة في بغداد غزل الطلاق، لكنها خفضت مهرها المؤجل من 50 مليون دينار عراقي (38,100 دولار) إلى 25 مليون دينار عراقي (19,500 دولار) بحجة أن غزل “ألحقت ضرراً بزوجها” برفعها دعوى عنف أسري ضده.
قالت غزل إنها منذ أن تلقت إخطاراً بنقل عقد زواجها إلى مدونة الأحوال الشخصية الجعفرية في سبتمبر/أيلول، تعيش في خوف دائم من أن يُؤخذ ابنها منها.
وتابعت: “كيف يمكن أن يُمنح أب، مدان في قضية جنائية تتعلق بالعنف الأسري، الحق في حضانة طفل من أمه التي ضحت بكل شيء من أجله؟ فتحت المدونة الجديدة ثغرة تسمح له باستغلال النظام، على الرغم من أن زواجنا تم بموجب القانون 188”.
وكانت وزارة العدل في (8 تشرين الأول 2025)، عن نشر مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وفق المذهب الشيعي الجعفري، لتدخل حيز التنفيذ رسمياً.
وأكدت بحسب جريدة الوقائع العراقية، أنها تُعد ملحقاً لقانون رقم (1) لسنة 2025، وهو القانون الذي عدّل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعمول به في عموم العراق منذ أكثر من ستة عقود.
وقد قوبلت المدونة قبل اقرارها برفض واسع من حقوقيات وناشطات مدنيات، اللواتي اعتبرنها انتكاسة خطيرة لحقوق المرأة، حيث أكدن أن هذه المدونة اضاعت حقوقاً أساسية للمرأة والطفل، وحذّرن من تداعياتها المباشرة على وحدة المجتمع العراقي.