
يعيش العراق أجواء من الصراعات السياسية بين الأحزاب ومرشحيهم بسبب قرب الانتخابات البرلمانية المزمع أجرائها في شهر تشرين الثاني القادم من العام الحالي، والملاحظ أن المنافسة بين الأحزاب ومرشحيهم لا تقوم على طرح البرامج الانتخابية كما هو معروف ومعمول به في عالم السياسة والديمقراطيات في العالم، لأنه ومع الأسف لا يوجد شيء أسمه برامج انتخابية في قاموس رجالات السياسة في العراق!
بل يكون الصراع والمنافسة على أساس التسقيط والتشهير بالخصوم، صدقاً أم كذباً وتلفيقاً والضرب تحت الحزام كما يقال، وطالما تتكشف الكثير من الفضائح لدى هذا السياسي وذاك وتلك الكتلة وذلك الحزب والتيار بسبب ذلك الصراع وتلك المنافسة. وقد صرح الكثير من المحللين والسياسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن خلال الفضائيات، بأن الحملات الانتخابية لبعض الأحزاب ومرشحيهم تعتمد على شراء ذمم الناخبين بطرق رخيصة ومبتذلة، حتى وصل الأمر إلى شراء بطاقات الناخبين، ناهيك عن توزيع المال نقداً أو توزيع الأكل والشرب والملابس، إضافة إلى قطع الوعود الكاذبة!
كما أشار المحللون إلى أن النفس الطائفي كان حاضراً ومع الأسف في الحملات الانتخابية لدى بعض الأحزاب ومرشحيهم، مؤكداً بأن بعض الأحزاب تروج في حملاتها الانتخابية للتخويف من عودة داعش والبعثيين للحكم مرة أخرى، رغم وجود قانون المساءلة والعدالة منذ 16/نيسان/2003 وحتى الآن، خاصة في فترة الانتخابات.
المؤلم في الأمر أن كل هذه الأمور تحدث جهاراً نهاراً، وتنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة، وكثير ما نقلت الفضائيات مشاهد عن حملات انتخابية لبعض المرشحين تتم بهذه الصورة المخالفة لكل الضوابط القانونية وتعليمات مفوضية الانتخابات، ومع التقدم التكنولوجي أصبح العالم كله يرى كيف تجري الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية ولمرشحيهم في العراق وما هي الأسس والصراعات التي يتنافسون عليها، مما يزيد من الصورة المشوهة للوضع السياسي في العراق.
وبسبب هذا المشهد الدراماتيكي للانتخابات، فالطبقة السياسية الحاكمة (الإطار التنسيقي تحديداً)، التي تطمح للفوز بأكبر عدد من الأصوات، تعيش هاجس الخوف من المقاطعة الكبيرة الواضحة من قبل الجماهير لأسباب معروفة حتى قادة الإطار أنفسهم، والخوف الحقيقي يتمثل بالسيد مقتدى الصدر وتياره، حيث يعلمون تماماً بأن الشارع العراقي هو ملك السيد الصدر ولا ينازعه أحد عليه، ويمكنه قلب المشهد الانتخابي رأساً على عقب متى ما شاء.
لا سيما أنهم يعلمون بأن انسحاب أتباعه من البرلمان في منتصف حزيران 2022 هو الذي جاء بهم إلى سدة البرلمان، وبالتالي ليكون رئيس الحكومة من الإطار (حكومة السوداني الحالية). لذا هم لا يريدون تفويت هذه الفرصة التي قدمها لهم السيد الصدر لتثبيت أركانهم في السلطة والفوز في الانتخابات ليس فقط في هذه الدورة، بل حتى في الدورات القادمة.
هنا لابد من الإشارة بأن انسحاب التيار الصدري من البرلمان لم يوقف العملية السياسية ولا الفساد، بل انفتحت الأبواب على مصارعها لهم. ومن وجهة نظر الكاتب، عدم مشاركة السيد الصدر في الانتخابات ورفعه شعار الإصلاح لن يوقف العملية السياسية أو يعرقل الانتخابات، كما أن تغريداته على مواقع التواصل الاجتماعي لن تؤثر على الفاسدين، بل زادتهم حرية وراحة بال، وستجري الانتخابات حتى لو تم مقاطعتها من التيار الصدري أو الأكراد أو السنة، وحتى لو كانت نسبة المشاركة لا تتعدى 20%، وحتى لو خضعت الانتخابات أو لم تخضع لرقابة دولية.
الجانب الآخر المهم والمعروف لدى عموم العراقيين بعد تجارب انتخابية سابقة، أنه مهما كانت نتائج الانتخابات فهي ستخضع للتوافقات السياسية أي المحاصصة، والتي تحسم النتائج بين نفس الوجوه وأحزابها التي اعتدنا عليها منذ أول انتخابات. أما موضوع التهديدات الخارجية من قبل أمريكا فهي لا تعدو كونها تهديدات إعلامية، ويبقى الموقف الأمريكي موقفاً متفرجاً إذا تم ضمان مصالحه القومية العليا وتأمين جنوده في قواعدهم من أية تهديدات محتملة.
يبقى المشهد الانتخابي في العراق محفوفاً بالتحديات، سواء من الصراعات الداخلية بين الأحزاب أو من المحاصصات السياسية القائمة، مما يجعل أي محاولة للإصلاح أو تغيير جذري صعبة التحقيق. ومع ذلك، تبقى الانتخابات ساحة أساسية للتنافس السياسي، وستكشف النتائج مدى قدرة القوى السياسية على الاستجابة لمطالب الشعب، أو استمرار الوضع على ما هو عليه من فساد وصراعات سياسية متكررة.