آخر الأخبار

خطاب الغوغاء: عودة المعجم الصدامي عبر بوابة الخنجر

ناجي الغزي/ كاتب وباحث سياسي

يبدو أنّ بعض الأصوات ما زالت أسيرة الماضي الأسود، عاجزة عن تجاوز قاموس البعث المليء بالتحريض والتسقيط والدماء. ما تفوّه به خميس الخنجر بحق أبناء المكوّن الشيعي في بغداد والجنوب، حين وصفهم بـ “الغوغاء”، ليس مجرد زلة لسان أو خطاب انتخابي متشنج، بل هو استدعاء صريح للمعجم الصدامي الذي ارتبط بأبشع جرائم القمع والمقابر الجماعية ودفن الأحياء بعد الانتفاضة الشعبانية.

إنها ليست المرة الأولى التي يُعاد فيها تدوير هذه المفردات الرخيصة. قبل فترة بسيطة وصف محمد الدايني الشيعة بـ”العتاكة”، واليوم يأتي الخنجر ليعيد إنتاج نفس العقلية الطائفية. والخطورة في خطاب الخنجر تكمن في أنّه لا ينفصل عن مساره السابق حين وصف إرهابيي داعش بـ”ثوار العشائر” أو حين اتهم الجيش العراقي بأنه “ميليشيات صفوية”.

هذا النمط من الخطاب يعبّر عن استراتيجية متعمدة تهدف إلى إعادة تشكيل الاصطفافات على أسس مذهبية، واستدعاء الذاكرة الدموية كأداة تعبئة سياسية وانتخابية. يبدو أن هذا الطائفي غير مدرك أن الشعب العراقي ـ شيعة وسنّة ـ قد دفع ثمناً باهظاً من الدماء كي يطوي صفحة تلك الحقبة الدموية.
ويواجه هذا الخطاب من الناحية الاستراتيجية، ثلاث تحديات رئيسية:

1- تهديد السلم الأهلي: وذلك من خلال إعادة استخدام مفردات صدامية يفتح جراح الماضي ويضعف فرص المصالحة الوطنية، بما يخلق بيئة خصبة للتوترات الاجتماعية والأمنية.

2- شرعنة الانقسام السياسي: حين يتم التعامل مع شخصيات حاملة لهذا الخطاب كحلفاء انتخابيين من قبل بعض قوى “الإطار التنسيقي”، فإن ذلك يمنحها شرعية سياسية غير مستحقة، ويجعل الخطاب الطائفي جزءاً من اللعبة الديمقراطية بدلاً من أن يكون خطراً يُحاصر.

3- الإضرار بالهوية الوطنية: إنّ هذا النوع من الخطاب يعيد إحياء صور الماضي الأليم عبر وضع المجتمع في إطار ثنائية حادة بين “الجلاد والضحية”، وهو ما يؤدي إلى تكريس الانقسام وتعميق مشاعر عدم الثقة بين المكوّنات. وبدلاً من أن تتوجه الجهود نحو ترسيخ مشروع وطني شامل يقوم على المصلحة العليا للعراق، يتم استنزافها في صراعات فرعية تضعف فرص بناء دولة عادلة وموحدة..

المؤسف أنّ بعض القوى السياسية اليوم، وتحديداً في “الإطار التنسيقي”، تتعامل مع هذا الطائفي البعثي كحليف سياسي وتجاري، متغافلين خطورته على السلم الأهلي، ومتجاهلين الإهانة المباشرة لمكوّن أساسي من أبناء العراق. فكيف يُقبل أن يُعاد توصيف الشيعة بمفردات صدامية كـ”الغوغاء”، وكأنّ ما جرى في سبايكر واللطيفية وتفجيرات بغداد لم يكن كافياً لإثبات هوية المجرم والضحية؟

إنّ المطلوب اليوم ليس بيانات شجب عابرة، بل موقف سياسي وقانوني واضح. ورفع دعاوى قضائية بحق الخنجر، وبحق كل من يروّج لهذا الخطاب الطائفي، والمطالبة بإغلاق قناة UTV التي تحولت إلى منبر لبث خطاب الكراهية والطائفية وتبرير الإساءة، فهي لم تعد وسيلة إعلامية بقدر ما أصبحت أداة لزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد. هذا المطلب بات ضرورة وطنية، لأن التساهل مع أمثال الخنجر والدايني يفتح الباب أمام عودة القاموس البعثي بكل مآسيه. وعلى بعض القيادات السنية المتوهمة، أن تخرج جثة صدام من عقولها وخطابها، وأن تدرك أن إهانة الشيعة لا تعني إضعافهم فقط، بل تمزيق العراق كله.

لقد سئم العراقيون الطائفية وأصبحت مفرداتها مثيرة للاشمئزاز، وهم اليوم بأمسّ الحاجة إلى خطاب يوحّد بغداد والجنوب والغرب والشمال، لا أن يُعاد تقسيمهم بمفردات رخيصة استُخدمت يوماً لتبرير الذبح والإبادة.
إنّ التحدي الحقيقي يكمن في وعي الناس وتكاتفهم، ورفضهم لأي محاولة لإعادة إنتاج الطائفية تحت أي عنوان أو من أي جهة كانت. فالخنجر ومن على شاكلته ليسوا سوى بقايا عهد بائد، مكانهم الطبيعي مزبلة التاريخ، لا منصات السياسة والإعلام.

شارك المقال عبر

تغطية مستمرة

المزيد