آخر الأخبار

الإفراج عن تسوركوف بين ضغوط الخارج وحسابات الداخل

بقلم/ مجاشع التميمي – باحث في الشأن السياسي

قضية الإفراج عن الباحثة الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف مثّلت اختبارًا معقدًا للسياسة العراقية في توازنها الدقيق بين الداخل والخارج. فمنذ اختطافها في بغداد ودخول الملف إلى واجهة الأحداث، بدا واضحًا أن الحكومة العراقية تواجه أزمة متعددة الأبعاد: إنسانية، سياسية، وأمنية.

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وجد نفسه في قلب العاصفة. الضغوط الأمريكية كانت شديدة، إذ لم تكتف واشنطن بالمطالبة بإطلاق سراح تسوركوف، بل وجه بعض المسؤولين اتهامات مباشرة للسوداني بالكذب وعدم الجدية في وعوده بشأن إنهاء القضية. هذا الموقف الأمريكي لم يكن مجرد انتقاد عابر، بل إشارة إلى أن مصداقية الحكومة العراقية على المحك أمام شريك دولي أساسي، خصوصًا في ظل حساسية العلاقة بين بغداد وواشنطن.

على الجانب الداخلي، تحرك السوداني عبر قنوات سياسية داخل “الإطار التنسيقي” للضغط على الجهة المسلحة التي نفذت عملية الاختطاف. كما حاول الاستفادة من علاقات العراق مع إيران، طالبًا من طهران التدخل للضغط على تلك الجماعة وإيجاد مخرج يحفظ ماء وجه الحكومة. غير أن الواقع العراقي أثبت مرة أخرى أن قوة بعض الفصائل المسلحة تتجاوز قدرة الدولة على الحسم، ما جعل كل هذه الضغوط تثمر نتائج بطيئة ومرهقة.

الإعلان عن الإفراج على أساس أن تسوركوف “مواطنة روسية” دون الإشارة إلى جنسيتها الإسرائيلية عكس استراتيجية امتصاص الغضب الداخلي وتخفيف وقع الحدث على الشارع، خاصة مع انقسام الرأي العام بين من طالب بموقف متشدد ضدها بحكم ارتباطها بإسرائيل، وبين من رأى أن المصلحة العليا للعراق تستوجب المرونة وتجنب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها.

هذه القضية أبرزت مأزق السياسة العراقية بين الحفاظ على السيادة الوطنية والاستجابة للضغوط الدولية. كما كشفت عن محدودية خيارات الحكومة في التعامل مع قوى مسلحة مؤثرة داخليًا وخارجيًا. السوداني حاول أن يوازن بين هذه الاعتبارات، لكن النتيجة النهائية كشفت حجم التحديات التي تواجه أي حكومة عراقية تحاول الجمع بين منطق الدولة ومتطلبات السياسة الواقعية.

ختامًا، يمكن القول إن هذه الأزمة ستكون نقطة فاصلة في مستقبل علاقة بغداد مع واشنطن. فالاتهامات الأمريكية للسوداني بالكذب وفشله في ضبط الفصائل المسلحة ستلقي بظلالها على أي مفاوضات مقبلة، سواء في ملف الوجود العسكري الأمريكي أو في القضايا الاقتصادية والطاقوية. العراق مطالب اليوم بإثبات جديته في بناء دولة قوية قادرة على فرض سيادتها، وإلا فإن كل أزمة مشابهة ستتحول إلى ورقة ضغط دولية تهدد استقراره السياسي وعلاقاته الإستراتيجية.

شارك المقال عبر

تغطية مستمرة

المزيد